تجارة المخدرات.. أما آن أوان الجدية في محاربتها ؟

قام تجار المخدرات في هذا الأسبوع بقتل مدير مباحث السويس حينما أراد القبض عليهم وأصابوا من معه من الضباط والجنود.. وهذا يدل على مدى الجرأة التي وصل إليها هؤلاء.. فتجارة الحشيش والبانجو اليوم على رؤوس الأشهاد .. وفي كل شارع .. وعلى كل ناصية في المدن الكبرى والصغرى .. بل وفي القرى والأرياف.. حتى وصلت إلي المدارس الإعدادية والثانوية.. فهل من رادع من السلطة بعد أن غاب الضمير.. واختفى الخوف من الله .. أما ماذا ؟


رحلة المخدرات داخل الجسم:-

يمثل جلد الإنسان المحطة الأولى التي يتأثر بالمخدرات .. التي يتم تناولها عن طريق الشم أو الاستنشاق.. ومن المعروف أن جدران الأنف تكون غنية بالأوعية الدموية.. فما أن يتناول المدمن المخدر عن طريق الشم حتى يلتصق مسحوق المخدر بالغشاء المخاطي المبطن للأنف.. ثم يبدأ الجسم في امتصاص الأوعية الدموية الموجودة داخل الأنف.. فينتقل المخدر إلي الدورة الدموية ثم إلي الجهاز العصبي.

والملاحظ طبيا ً أن دخول المخدر إلي الأنف يسبب تخديرا ً موضعيا ً للأعصاب الحساسة داخل الأنف مما يسبب انقباضا ً شديدا ً بهذه الأوعية الدموية التي تغذي الأنف مما يسبب انعدام وصول الدورة الدموية إلي الحاجز الأنفي ويؤدي تعاطي المخدرات عن طريق الشم كالهيروين والكوكايين إلي وجود ثقب كبير بالحاجز الأنفي ناتجا ً عن تساقط أجزائه يسبب موت خلاياه.

وبمرور الوقت تنعدم تدريجيا ً حاسة الشم عند شمام المخدرات بسبب ضمور عصب الشم من تناول المخدر ولكن يظل موقع الخطر الأكبر في رحلة المخدر هو الجهاز العصبي المركزي والمخ والذي ينتقل إليهما المخدر من الدورة الدموية.

ومن الثابت علميا ً أن جميع المخدرات المستخلصة من الأفيون كالهيروين والكوكايين يكون تأثيرها مباشرة على أماكن معينة في الجهاز العصبي الشمي " المستقبلات " .. توجد على جدران الخلايا العصبية.. وعندها يشعر المتعاطي بالانتعاش والنشاط والقدرة الكبيرة على الحركة وهي الحالة التي يحبها المتعاطي ويستمر في تعاطي المخدرات من أجلها ولأنه من الطبيعي أن يحاول الجهاز العصبي وخلاياه الدفاع عن نفسه ضد المواد الدخيلة عليه فيحدث نوعا من المناعة ضدهما .

ولذا يحتاج المتعاطي لجرعا ً أكبر للحصول على نفس التأثير.. وهذا هو الإدمان .. إذ يصبح المتعاطي بعد أسابيع قليلة عبدا ً لهذه المواد المدمرة لا يستطيع العمل أو القراءة أو ممارسة حياته بشكل طبيعي من دونها.

الجرعة القاتلة


لكي يحصل المتعاطي على النشوة والانسجام والسعادة الغير الطبيعية التي يبحث عنها فإنه في أول شمه لا يحتاج إلي أكثر من ثلاثة ميللي جرام من الهيروين أو الكوكايين.. ويستمر مفعول هذه الشمة من 6-12 ساعة ولكنه ينقلب إلي إنسان شرس يطلب المزيد من المخدر.

وبتكرار الشم يحتاج كما ذكرنا إلي زيادة الجرعة ليحصل على نفس الأثر السابق.. وقد تصل الجرعة جرامات كاملة وله جرعة قاتلة يسقط بعدها المدمن في عجز من مضاعفاتها فيعاني من الإسهال الشديد.. وتتساقط الدموع من عينيه بصفة غير ارادية وينكمش جلده.. ويصاب بآلام المبرحة في البطن والظهر وتضيق حدقة العين.. ويظل يتخبط في ظلمات الآم حتى يفقد حياته أو يصاب بالجنون .

وتنتج الوفاة عن هبوط في التنفس نتيجة شلل في مركز التنفس في المخ الذي يؤدي إلي نقص حاد في أوكسجين الدم وزرقة في الوجه الجسيم .

ويسبب تعاطي الهيروين من طريق الحقن حدوث جلطات ملوثة تؤدي إلي التهابات صديدية في الرئة ..قد يؤدي إهمالها إلي حدوث تجمع في الغشاء البلوري يؤدي في النهاية إلي الموت

هل هناك أمل في القضاء على هذه المشكلة ؟

لست ممن يحبون اليأس.. وليست ممن يتشاءمون.

وأعلم أن المجتمع المصري المسلم مجتمع نبت من طيفه نقية ومن بذور صالحة.

ومن هنا أقول كما يقول كل عاقل محب لهذا البلد الطيب.. نعم هناك أمل كبير في القضاء على هذه المشكلة وإن كانت ليست مشكلة هينة ولا سهلة.. ولكن الأمر يقتضي أن نعرف جميعا ً إن القضاء على هذه المشكلة يحتاج إلي تضافر جميع الجهود.. ابتداء ً من التربية الإسلامية الصحيحة.. ووجود القدوة الصالحة للطفل منذ نعومة أظفاره ممثلة في والدين صالحين يتعلم منها الحفاظ على الصلاة.. وذكر الله تعالي.. والصدق في الحديث.. والأكل من الحلال ومراقبة الله في كل قول وعمل.. والخوف من المعصية والتوبة بعد كل خطأ .. وعدم الإسراف من الوالدين في التدليل أو العنف مع الأبناء.. فكلاهما خطأ يتسبب في نشوء الأبناء نشأة غير سوية.. ولنا الأسوة في قوله صلى الله عليه وسلم " داعبوا أولادكم سبعا ً وأدبوهم سبعا ً.. وصاحبوهم سبعا ً.. ثم اتركوا لهم الحبل على الغارب "

ويأتي من بعد الأسرة دور المجتمع إيجابية تصرف أفراده تجاه كل تصرف خاطئ .

فالسلبية من أفراد المجتمع قاتل والأصل في المجتمع المسلم التآمر على المعروف والتناهي عن المنكر.

ولكن يجب أن يكون الأمر والنهي بأسلوب حضاري لا غلظة فيه ولا إفراط في ممارسة حق الأمر والنهي.

ولعلنا نذكر بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه "ومثل القائم على حدود الله الواقع فيها كمثل قوم استهموا في سفينة فأصاب قوم أعلاها وأصاب قوم أسفلها .. فكان الذين في أسفلها إذا استقوا مروا على من فوقهم.

فقالوا لو خرقنا في نصيبنا خرقا ً ولم نؤذ من فوقنا فلو تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعا ً .. ولو أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا ً".

ويأتي دور جهاز الأمن هاما ً جدا ً في الضرب بيد من حديد على يد كل من تسول نفسه أن يتاجر بأبناء مصر وهم رأسمالها وأهم آلات تقدمها من أجل أن يحقق لنفسه الخبيثة كسبا ً ماديا ً أو ربحا ً زائلا ً.

وإني لأتمنى كما يتمنى كل مسلم حر أن يطبق حد الحرابة في تجار المخدرات فسيكون لذلك أثر كبير في ردع هؤلاء الناشرين في الفساد في الأرض.

كما يرجي كذلك أن تسن الدولة تشريعا ً بحرمة الخمر وتجريم تناولها فهي أم كل الخبائث

ليس من الطبيعي أبدا ً أن تجبر الدولة شركات إنتاج السجائر على وضع صورة رجل مريض السرطان وتكتب على عبوة السجائر أن التدخين ضار جدا ً بالصحة وأنه يسبب سرطان الرئة وأمراض القلب وتصلب الشرايين.

ثم لا يتخذ إجراء واحد من قبل الدولة للقضاء على تناول الخمور تلك الظاهرة المنافية للشرع والعقل.

ودعونا نتجرد للحق.. إذا كانت أنفلونزا الطيور قد تسبب وفاة 40 أو 50 إنسان على أرض مصر ومع ذلك أعلنت الطوارئ في كل وزارات الدولة لمواجهتها.. وكادت صناعة إنتاج الدواجن تدمر وهي صناعة يعيش على عائدها أكثر من أربعة ملايين مصري.. ما بين منتج للدواجن أو مربٍ لها أو عامل في مزارعها أو منتج لأدويتها أو إعلانها أو بيعها وشرائها.. كل هؤلاء أضيروا بشكل مباشر.

فكم تقتل السجائر والدخان وكافة أنواع التبغ كل سنة من أهل مصر.. علاوة على الإصابة بأمراض مستعصية تكلف الدولة مليارات لأجل علاجها أو الحد من أثرها؟!!

فلماذا لم تغلق مصانع السجائر والدخان.. سؤال حير العقلاء كثيرا ً ولم يقدم أحد له إجابة؟!!

هل يمكن مواجهة مشكلة المخدرات وصناع السينما والمسلسلات التلفزيون يقدمون كل يوم أفلاما ً ومسلسلات تشجيع الشباب على تعاطي المخدرات والكيف وعمل الدماغ والسلطنة.. وكلمات تجد صداها عند شباب يعاني من البطالة والفراغ وانعدام الثقافة الدينية.. وإلا فكيف يقدم المدمن في صورة كوميدية تجعل الناس يعجبون به ويضحكون مما يفعل.. حتى يقدم الشباب على تقليده.

إن من المفروض في العمل الإعلامي - إذا أريد به مصلحة الوطن وأهله - أن يقدم على أساس تحسين وتجميل واقع الفضيلة وأهلها.. وتبشيع وتقبيح واقع الباطل والخطأ.

ولكن أن يحدث العكس.. فإما أن صانعي السينما جهلة أو أن أغراضهم لا تصب أبدا ً في مصلحة هذا البلد.

ويجب على الدولة أن تزيد من عدد المؤسسات التي تقوم بعلاج الإدمان.. وعلى أهل الخير من أبناء مصر أن يساهموا في تدعيم هذه المراكز.. فهي أولى ألف مرة من فرق الكرة ولاعبيها والمظاهر الكاذبة التي لا ترضى ربا ً ولا تشفي مريضا ً.

ولأن الوقاية خير من العلاج يجب على القائمين على الإعلام والدعوة والإرشاد أن يوجهوا شباب البلد.. وبجهود قوية مخلصة نحو آفاق مفيدة تقضي على فراغه.. وتحميه من السقوط في بئر الإدمان العفن مثل تحصيل ثقافة دينية ودنيوية ترتقي بالإنسان عبادة وسلوكا ً.. أو ممارسة ألوان من الرياضة تبني جسده وتقوي من شخصية.. كما أن الرياضة قد أصبحت في هذه الأيام من أسباب الرزق الوفير.. فلم لا نوجه شبابنا إليها؟!!

إن مشكلة المخدرات إذن ليست مشكلة سهلة وليست كذلك مشكلة مستحيلة الحل.. وإنما يمكننا مواجهتها بكثير من الإخلاص والصدق والعمل الجاد والأسلوب المناسب في غير إفراط ولا تفريط.

وعلينا أن ندرك أننا إذا تصدينا لهذه المشكلة جبريا ً فقد حمينا مصر في حاضر مستقبلها.

وحفظنا لها خير ما تملك وهم أبنائها وقوتها العاملة ووسيلة عبورها نحو مستقبل أفضل.